تقنين “كبسولة الموت الرحيم” أسوء تشريع قانونى فى القرن الواحد والعشرين
صرحت الشركة المصنعة لجهاز كبسولة الموت الرحيم الذى يساعد على الانتحار إنها على ثقة في إمكانية استعماله في سويسرا، بداية من عام 2022.
وطلبت شركة “ساركو” استشارة خبير قانوني، وقد أكد لها أن الجهاز لا يخالف القوانين السويسرية. ولكن محامين آخرين شككوا في دقة موقفه.
وقالت منظمة ديغنيتاس المهتمة بقضية الانتحار بمساعدة الغير إنه من المستبعد أن يلقى الجهاز قبولا واسعا.
ويعد الانتحار بمساعدة الغير عملا قانونيا في سويسرا وقد مات 1300 شخص بهذه الطريقة هناك في عام 2020.
ما هو هذا الجهاز وكيف يعمل؟
جهاز “ساركو” عبارة عن كبسولة مصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد التى تسمح لمستخدمها الراغب في الموت بتشغيلها من الداخل. ويُمكن سَحب هذه الآلة ووضعها في المكان الذي يرغب الشخص الذى يريد انهاء حياته فيه. وقد يكون هذا في مكان هادئ امام البحر، أو في مَبنى إحدى المنظمات التي تقدم المساعدة للأشخاص الراغبين بالإنتحار.
تعمل كبسولة الموت الرحيم بضغطة زر موجود داخل الكبسولة لتفعيل آلية عمل الجهاز فى الوقت الذى يناسبهم بالاضافة الى زر اخر للطوارئ للمساعدة على الخروج منها، وتبدأ الكبسولة فى العمل عن طريق ان يستلقى الشخص بداخلها فهى صممت لتكون مريحة جدا للقادمين على الانتحار وسوف يُطرَح على الراغبين في الموت عدد من الأسئلة، وعقب أجابتهم، يمكنهم الضَغط على الزر الخاص الموجود داخل الكبسولة.
هذه الكبسولة قابلة للانفصال مُثبتة على قاعدة ثلاثية الأبعاد التى تحتوي على عبوات النيتروجين السائل التى ينطلق منها الغاز إلى الكبسولة، مما يُقَلِّل من مستوى الأوكسجين بشكل سريع من 25% إلى أقل من 1%. وينتج عن ذلك شعور الشخص بنوع من الضبابية، كما قد يشعر ببعض النشوة قبل أن يفقد وعيه. والموت يحدث كنتيجة لنَقص الأكسجين ونَقص ثاني أكسيد الكربون في الدم على التوالي. ولا يُصاحب هذا الإجراء أي شعور بالذُعر أو الاختناق.
جدل قانوني حول كبسولة الموت الرحيم
تتمثل الطريقة المستعملة حاليا في سويسرا في تزويد الشخص الذي يريد الانتحار بمجموعة من السوائل، إذا هضمها انتهت حياته.
أما “كبسولة الانتحار” فيمكن أن توضع في أي مكان، وتمتلئ بالنيتروجين، وتعمل على تقليل مستويات الأوكسجين بسرعة.
وتجعل الشخص داخلها يفقد وعيه، ثم يموت في غضون 10 دقائق.
ويمكن تشغيل الجهاز من الداخل، وفيه زر طوارئ للمساعدة على الخروج منها.
وطلبت شركة ساركو من الخبير القانوني دانيال هيرلمان، الأستاذ المساعد بجامعة سانت غالن، التحقق مما إذا كان استعمال جهاز الانتحار ينتهك القوانين السويسرية.
وقال لبي بي سي إنه يرى أن الجهاز “ليس جهازا طبيا”، وبالتالي فإنه لا يخضع لقانون المنتجات العلاجية.
ويعتقد أيضا أنه لا يخالف القوانين المتعلقة باستعمال النيتروجين، أو الأسلحة أو سلامة المنتجات.
وخلص إلى أن “القوانين السويسرية لا تتطرق إلى هذا الجهاز”.
ولكن كيرستين نويل فيكنغر، الطبيبة والمحامية والأستاذ بجامعة زيوريخ، قالت لصحيفة “نو زيركر زايتونغ” السويسرية إن “الأجهزة الطبية تخضع لقواعد تنظيمية لأنه يفترض أن تكون أكثر سلامة من غيرها. والجهاز إذا لم يكن مفيدا للصحة لا يعني أنه لا يخضع لمقاييس السلامة الإضافية”.
وقالت ديغنيتاس لبي بي سي: “تعتمد سويسرا سياسة الانتحار بمساعدة الغير منذ 35 عاما…وبالنظر إلى هذه الممارسة الاحترافية الخاضعة لمقاييس السلامة، فإننا لا نتصور أن يلقى جهاز يساعد على إنهاء حياة الأشخاص، قبولا أو اهتماما في سويسرا”.
وإذا حصل الجهاز على الترخيص بالاستعمال في سويسرا، فإنه لن يعرض للبيع بالطريقة التقليدية.
ويقول مصمم الجهاز، الدكتور نيتشك، إنه يعتزم توفير التصميم للتحميل على الانترنت.
وأضاف في حوار نشر على موقع منظمة إكزيت المهتمة بالانتحار بمساعدة الغير، أن هدفه هو إخراج “عملية الموت” من الدائرة الطبية.
“نريد إلغاء الفحص العقلي والسماح للأفراد باختيار الأسلوب بأنفسهم”.
ويعرف نيتشك باسم “الدكتور موت” لنضاله الطويل من أجل الحق في إنهاء الحياة.
ويوجد حاليا نموذجان من جهاز شركة ساركو، فضلا عن نموذج ثالث يعد في هولندا.
وتعرض الدكتور نيتشك لانتقادات كثيرة بسبب الجهاز، وقال بعض المنتقدين إن تصميمه يزين الانتحار للناس.
ما هو الانتحار الرحيم فى سويسرا؟
يعود الأصل في اعتماد القتل الرحيم هو مساعدة المصابين بالأمراض المستعصية غير القابلة للشفاء على التخلص من الألم الذي يرافق أمراضهم المستعصية، والوضعية المزمنة في لزوم فراش الموت، إن أراد المرضى ذلك، فهو موجّه للأشخاص المصابين بمرض عضال وليس للذين يشعرون باليأس والملل من الحياة.
وقد ازدهرت الظاهرة بسويسرا، بسبب صعوبة إنجاز تلك العملية في أغلب الدول الأوروبية والعالمية، حيث تحظر ألمانيا وإيطاليا على الأطباء هذه الممارسة، وفي هولندا يمكن للطبيب أن يوافق عليها وفق شروط دقيقة فقط إذا تيقن بأن الشفاء ميؤوس منه. أما في بريطانيا فقد لقيت معارضة قوية. اما الدول العربية والإسلامية فهي تحظر العملية بشكل مطلق.
تسمح القوانين في سويسرا بالقيام بالعملية، فهي تنظر إلى تلك العملية على أنها حرية شخصية يجب أن تتم تحت إشراف طبي وأن تتوفر فيها بعض الشروط مثل موافقة الشخص وشرح وسيلة وطريقة عملية القتل الرحيم.
تحظر كل دول العالم ممارسة القتل الرحيم، كما تعارض العديد من المنظمات والجمعيات ذات النزعة الإنسانية، قرار السماح بممارسة القتل الرحيم إلا بشروط تقيد المسألة في حالات خاصة جدا.
إلا أن البعض يعتبرها من قضايا الحريات الفردية وحقوق الفرد في اتخاذ ما يراه مناسبا من قرارات، وهو الاتجاه الذي ذهبت إليه سويسرا حيث عرفت مدينة زيورخ بروز هذه الظاهرة السياحية. حيث أصبحت المساعدة على الانتحار مسألة قانونية في سويسرا في عام 1941، بشرط أن يقوم بالعملية شخص لا ينتمي إلى مهني الطب، وان لا تكون له أي مصلحة أو منفعة في انتحار الشخص المعني.
وبعد ارتفاع حدة الجدل بين الرافضين والمعارضين لهذا الشكل السياحي، التجأت الحكومة السويسرية إلى استفتاء حول المسسألة، وبذلك تم رفض طلب حظر “سياحة الانتحار” بمساعدة الآخرين. حيث أدلى سكان زيوريخ يوم الإثنين 16 مايو 2011 بأصواتهم، في استفتاء حول حظر سياحة الانتحار، وتقديم المساعدة للأجانب الذين يسافرون إلى سويسرا من أجل وضع حد لحياتهم. وأظهرت نتيجة الاستفتاء النهائية أن 15.5 ٪ فقط من الناخبين أيدوا حظر تنظيم عملية الانتحار، بمساعدة طرف متدخل، بينما أيد 22 ٪ فقط حظر سياحة الانتحار. حيث ينتحر حوالي 200 شخص بمساعدة الغير في زوريخ كل عام.
الإشكالية والجانب الأخلاقي؟
تكمن الإشكالية في ظاهرة سياحة الانتحار، في لجوء الأصحاء من كبار السن إلى هذا النوع من الانتحار، بأنه نتيجة اليأس من الحياة أو الفقر أو المعاناة من عاهة بسبب تقدم العمر، أو إلى النظرة المادية المسيطرة التي باتت تتحكم في المجتمعات المعاصرة، لاعتقادهم أن نظرة المجتمع إليهم كعالة منتهية الصلاحية، فيفضل البعض الانتحار عبر “القتل الرحيم”. حيث ترى الجمعيات المناهضة أن على الدولة النظر في الأسباب العميقة للرغبة في الانتحار وتقديم المساعدات النفسية والفاعلة للقضاء على تطور الظاهرة في العديد من المجتمعات.